عبد الله بن محمد بن رزيق المكنى بأبي زيد الريامي
ادريس بن بابا باحامد -
لا ريب أن لكل أمة من الأمم رجالا وعلماء يستنيرون بهم إذا احلولكت الظلمات، وتشعبت السبل، وتنوعت المسالك، ليروا بهم النور، فيكونوا مشاعل علم وهدى، ومنارات فكر واقتداء، والأهم من ذلك أن تجد رجالا شهد لهم التاريخ برسوخ القدم في القيادة والفكر، لا في محيطهم فحسب بل ذاع صيتهُم ليشمل العالم أجمع، لما تميّزوا به من فكري عالمي، له أصول ومبادئ، ولا يتسنى لنا الحكم بذلك إلا إذا غصنا في غمار تراثهم العلمي، أو على الأقل مؤلفاتهم العلمية، وإن شئت صرا أكثر فقل في آثارهم وإن كانت نزرا يسيرا، إذ العبرة بالأثر لا بالكم والكثرة، ومن علماء الأمة المشهورين بذلك، علماء عمان، لذا حاولت تخصيص بعض الحديث عن بعض الشخصيات العمانية التي دعت إلى تميزت بأفكار عالمية دعت إلى ذلك تحقيقا وتحريضا وبيان أهمية، وهذا من شأنه أن يقرِّب بين الأمم والشعوب، ويؤكد الدور البارز للعلماء المسلمين عموما والعمانيين خصوصا في بث روح التآلف والتكاثف والتعاون، ونبذ العنف والكراهية، وتأكيد معالم الحرية ونبذ العبودية، والدعوة إلى تحقيق التعايش السلمي وإن اختلفت الأجناس والأعراق، والعقائد والأفكار، وسوف يكون الحديث عن علماء من القرون الهجرية الأولى وغيرها إلى أن نصل إلى علماء في وقتنا المعاصر، وهذا لنؤكد أن المنهج السلمي التعايشي سلسلة تميز بها هؤلاء العلماء ولم تنقطع أبدا، يتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل، فما على هاته الأجيال إلا الحفاظ عليها، والتأكيد على ما جاء في هاته الأفكار من قيم. وقد ارتأيت أن تكون هذه السلسلة منضوية تحت مسمى (عالم وفكرة) أو (علماء وأفكار).
عبد الله محمد بن رزيق المكنى بأبي زيد الريامي
« هو الشيخ العلامة عبد الله بن محمد بن رزيق المشهور بأبي زيد الريامي. ولد بتنوف، وقيل بإزكي سنة 1301هـ. من أشهر علماء عمان في عصره، يلقب «المحتسب» لسيرته وعدله، وصرامته في دينه. رحل إلى الشرقية لطلب العلم، فتتلمذ للإمام السالمي، وكان من أبرز تلامذته، فأغلب تساويد هذا الإمام هي بخط أبي زيد لكثرة ملازمته لشيخه. رجع إلى إزكي حيث درس بمسجد الحواري، فأخذ عنه جم غفير من التلامذة منهم الشيخ محمد بن سالم الرقيشي. رافق الشيخ السالمي للحج سنة 1323هـ، ولم يكن قادرا على الحج عن نفسه، فاستأجر عن غيره، ثم مكث في بيت الرباط إلى العام المقبل فحج عن نفسه.طلبه الشيخ حميد بن ناصر النبهاني، وعينه ببلدة سيق بالجبل الأخضر معلما ومدرسا.كان من ضمن العاقدين على الإمام سالم بن راشد الخروصي سنة 1331هـ.تولى منصب القضاء بإزكي للإمام سالم الخروصي.كان واليا وقاضيا للإمام سالم على بهلا، بعد أن فتحها الإمام. كان أحد العاقدين على الإمام محمد بن عبد الله الخليلي سنة 1338هـ. بقي قاضيا وواليا على بهلا زمن الإمام الخليلي إلى أن توفي. أجرى في ولايته العدل والإنصاف، وأقام المعارف الإسلامية وأمات الاضطهاد عن الناس، ونفى الجور، فأشرقت البلاد بعدله وحسن سيرته، فأحبه الفقراء والمساكين.توفي في الثالث من رجب سنة 1364هـ والناس عنه راضون.من مؤلفاته كتاب «المناسك»، وكتاب «النحو»، وله الأسئلة الموجهة إلى الإمام السالمي التي أجاب عليها في الكتاب المطبوع «حل المشكلات المنسوب لأبي زيد»(محمد ناصر، سلطان الشيباني، ترجمة: 843).
فكرته: «ليست نافلة أعظم من بر الوالدين» (حل المشكلات، ص 126)
لا ريب أن الإنسان يجتهد في هذه الحياة في مختلف دروبها، ليحظى بالسعادة في الدنيا، والحاذق من اجتهد في جميع مجالاتها ليحظى بالسعادة في الدارين، ومن الأمور التي ينبغي على المرء الاهتمام بها لنيل السعادة الأخروية الاجتهاد في الفرائض فيؤديها على أكمل وجه قدر عليه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولا ينبغي عليه أن يغفل عن النوافل التي تجبر النقص كما ورد إن لم ينتبه إلى نقصه، وأبواب النوافل كثيرة، وأنواعها متعددة لا يمكن حصرها في مجال، ولعل الشيخ عبد اله محمد بن رزيق ينبهنا إلى أمر قد يغفل عنه البعض في هذا المجال وهو بر الوالدين، والحقيقة أن برّ الوالدين مما غفل عنه الكثير، في زمن طغت فيه المادية، واستولت على النفوس الأنانية، وصار البعض يضجر من والديه، ويظهر ذلك لهما، خاصة إن بلغا من الكبر عتيا، والحق أن الوالدين في هذه المرحلة أحوج ما يحتاجون إلى رعايته، ردًّا لبعض جميلهما أيام صغره، والآية القرآنية في ذلك واضحة بينة، لا يغفل عنها عاقل، ولا يستكبر عن فهمها إلا جاهل، وكثيرا ما نسمع تعليلات عن سبب إهمال الوالدين قد تكثر وقد تقلّ، ومن العجيب أن نجد البعض يتعلل بالعبادة ويدعي أنها هي التي حالت بينه وبين رعاية والديه، وإن سألنا أو حاولنا استكشاف الأمر لوجدنا أن اهتمامه بالنوافل من صلاة وصوم وقراءة للقرآن هي العلّة التي يدعيها، فالحق أن على المرء أن يجتهد في أداء الفرائض ولا يضيّعها، ويسعى إلى رعاية والديه فهما أجل وأكبر نافلة، بل قد يتعين الأمر عليه فيصبح فرضا عليه. ورعاية الوالدين ليست بتوفير المأكل والملبس والمسكن فحسب، فهذا مما يجب؛ لكن من الرعاية التَّسلية عن قلوبهما، والجلوس إليهما، والاستماع إليهما، وتحمل ما قد يصدر منهما لداعي كبر سنهما؛ وتحمل ذلك مهما كان، وعدم إبداء الضجر أمامهما مهما اشتد الوضع، بل واللعب معهما إن اقتضى الأمر ذلك،، فهذا مما يسَلِّي عنهما ويمنحهما سعادة قد لا يحس بها غيرهما، فما أعظم برّ الوالدين وما أعظم أجر الجهاد فيهما، فليحافظ على ذلك من هو على الدرب، وليستدرك الغافل، قبل فوات الأوان، والله المستعان..